رغم توقف العمليات العسكرية في قطاع غزة، لا يزال تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار متعثرًا، في وقت يترقب فيه السكان أي تحسن ملموس بعد عامين من الدمار.
ومع استمرار الجمود، تتسع دائرة الاتهامات المتبادلة بين حماس وإسرائيل بالتلكؤ وإطالة أمد المفاوضات، حيث تواصل الحكومة الإسرائيلية تشديد القيود على دخول المساعدات وتقليص الحركة عبر المعابر ردًا على عدم إحراز حماس تقدّمًا في ملف تسليم جثمان آخر رهينة إسرائيلي.

وفي ظل المنخفض الجوي الشديد الذي تشهده غزة منذ أيام، تتواصل الظروف المعيشية في التدهور، إذ يقول الغزيون إن الهدنة لم تُحدث تحولًا واضحًا في حياتهم اليومية؛ فما تزال الكهرباء شحيحة، والمستشفيات تعمل فوق طاقتها، والمساعدات الإنسانية لا تصل بالكميات المتوقعة.

ويحذر المحلل السياسي الفلسطيني حسن سوالمة من أن حماس بدأت تخسر ما بقي من شعبيتها التي تراجعت بشكل كبير نتيجة انعكاسات الحرب، في ظل وجود اتهامات لها بالتركيز على المفاوضات السياسية في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون في القطاع لتأمين الحدّ الأدنى من القوت اليومي.
ويرى سوالمة أن الشارع الغزّي ينتظر من قيادات حماس توحيد القرار بين قيادة الداخل والخارج لتسريع إنفاذ المرحلة الثانية من الاتفاق الذي تم برعاية أمريكية، والتركيز على الاحتياجات الإنسانية العاجلة للمواطنين، لتمكينهم من التعافي الحقيقي وبناء واقع أفضل بعد أكثر من سنتين من ويلات الحرب التي أتت على الأخضر واليابس.

ويشير مسؤولون محليون إلى أن عشرات الشاحنات تبقى عالقة لفترات طويلة في انتظار الموافقات الإسرائيلية، ما يعطّل برامج الإيواء وترميم البنى التحتية الأساسية.
ويحذر مراقبون من أن تأخر إدخال الوقود ومواد البناء والدواء يجعل مرحلة التعافي الأولي شبه مستحيلة، فيما تؤكد الأونروا أن استمرار القيود "يبقي الغزيين تحت وطأة أوضاع إنسانية كارثية"، ويزيد من مخاطر الأمراض ونقص الغذاء مع اقتراب الشتاء.

في المقابل، تواجه حماس ضغطًا من نوع آخر داخل غزة، إذ أعلنت جماعات مسلحة صغيرة تعمل في مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية أنها تخطط لمواصلة القتال ضد الحركة رغم مقتل أبرز قادتها، مؤكدة أنها كثّفت عمليات التجنيد منذ دخول الهدنة حيّز التنفيذ.
ورغم أن هذه المجموعات محدودة التأثير بحسب محللين، فإن ظهورها يشكل تحديًا إضافيًا لحركة حماس التي تحاول إعادة تثبيت سيطرتها الأمنية بعد حرب أنهكتها على المستويين العسكري والتنظيمي.

وفي وقت تسيطر فيه حماس على المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان، تحتفظ إسرائيل بسيطرة واسعة على أكثر من نصف مساحة القطاع، وهي مناطق تتحرك فيها الفصائل المناوئة للحركة بعيدًا عن سلطتها. ومع بطء تنفيذ بنود المرحلة الأولى من الاتفاق، وغياب أي مؤشرات على انسحاب إضافي للجيش الإسرائيلي، تتعاظم المخاوف من أن يصبح الوضع الحالي حالة مؤقتة طويلة الأمد.

ووفق الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة، شملت المرحلة الأولى وقف الأعمال القتالية وتبادل الرهائن والمعتقلين وانسحاب الجيش من المناطق المأهولة، بالإضافة إلى توسيع دخول المساعدات. لكن إسرائيل تقول إنها لن تنتقل إلى المرحلة الثانية قبل تسلّم جثمان الرهينة الأخير.

وتنصّ المرحلة الثانية على نزع سلاح حماس وتشكيل قوة دولية لمراقبة وقف النار، إلى جانب تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة الشؤون اليومية للقطاع تحت إشراف "مجلس سلام" يُفترض أن يترأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ومع استمرار الخلافات حول هذه البنود، يتصاعد القلق من أن يؤدي تأخير الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق إلى إطالة الأزمة الإنسانية. ويطالب جزء من الغزيين بترتيبات جديدة تضع احتياجاتهم الإنسانية كأولوية قصوى فوق الحسابات العسكرية والسياسية، معتبرين أن استمرار الجمود — سواء بفعل حماس أو إسرائيل — يعيق إعادة إعمار القطاع ويطيل أمد المعاناة.

وكان ترامب قد كشف في 30 سبتمبر الماضي أن مبادرته لإنهاء الحرب في غزة تقوم على إنشاء هيئة دولية يشرف عليها شخصيًّا، تتولى إدارة القطاع بشكل مؤقت وتمويل عملية إعادة الإعمار، تمهيدًا لتسليم السلطة لاحقًا إلى إدارة فلسطينية.
ووفق الخطة، سيقود ترامب مجلسًا دوليًا تنفيذيًا يدير العمليات اليومية، إلى جانب حكومة فلسطينية جديدة من التكنوقراط غير المنتمين إلى حركتي حماس أو فتح، تتولى إدارة الشؤون المدنية في غزة.